في ظل سماء أبريل الشاحبة: حكاية رحيل
By osama / أبريل 22, 2025 / لا توجد تعليقات / آخر الأخبار, أخبار العائلة, ذكرى وفيات, وفيات

في ظل سماء أبريل الزرقاء الشاحبة، حيث تبدأ أزهار الربيع في التفتح ببطء وتردد، خيّم سكون ثقيل على أرجاء منزلنا في العجيلات.
لم يكن هذا السكون هدوء الطبيعة، بل كان صمتاً مطبقاً، نوعاً من الهدوء الذي يسبق العاصفة، لكن هذه المرة، كانت العاصفة قد حلّت بالفعل، عاصفة من الحزن والأسى اجتاحت قلوبنا.
جاء الخبر كصاعقة، مزق حجاب الفرح الهش الذي كنا نحاول التمسك به، كلمات قليلة حملت معها ثقل الفقد: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، صدى هذه الكلمات تردّد في أرجاء البيت، ليُعلن رسمياً عن رحيل العزيز صبري محمود الغضبان.
أتذكر آخر مرة رأيته فيها، قبل أسابيع قليلة، كان وهن المرض قد بدأ ينال منه، لكن عينيه كانتا لا تزالان تحتفظان بذاك البريق الطيب، وتلك النظرة الحنونة التي طالما عرفناها.
كان صوته خافتاً، لكن كلماته كانت تحمل دائماً جرعة من الأمل والتفاؤل، حتى في وجه الألم.
لم نتوقع أن يكون اللقاء الأخير، لم نكن مستعدين لفكرة أنه سيغادرنا بهذه السرعة.
ظهر ذلك اليوم، الثلاثاء الثاني والعشرين من أبريل، كان يوماً عادياً في بدايته، الشمس أشرقت كعادتها، والعصافير غردت على أغصان الزيتون القريبة.
لكن القدر كان يحمل في طياته حزناً عميقاً، مع ساعات الظهيرة، وصل الخبر المشؤوم، ليقلب كل شيء رأساً على عقب.
صراع مرير مع المرض انتهى برحيل روح عزيزة، روح تركت فراغاً لا يمكن أن يملأه شيء.
الآن، ونحن نستقبل المعزين، نرى في عيونهم انعكاساً لحزننا، كلمات المواساة تلامس قلوبنا المثقلة، لكنها لا تستطيع أن تخفف من وطأة الفقد.
نتذكر طيبة الفقيد، ابتسامته الصافية، وحضوره الدافئ الذي كان يملأ المكان بهجة.
نتذكر مواقفه النبيلة، وكيف كان يسعى دائمًا لمساعدة الآخرين.
أرى محمود ومؤيد، ابناه الشابان، يحاولان التماسك، لكن نظراتهما الحزينة تفضح حجم الألم الذي يعتصر قلبيهما.
أما الابنة العزيزة، فدموعها الصامتة تحكي ألف قصة من الشوق والحنين.
وزوجته المصونة، تقف شامخة رغم الحزن العميق الذي يكتنفها، صابرة محتسبة، تستمد قوتها من إيمانها بالله.
غداً، سيحمل جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في مقبرة الأفران بالعجيلات.
سيكون يوماً عصيباً، يوم وداع مؤلم، لكننا نؤمن بأن الموت هو حق، وأن الروح سترتاح في كنف الرحمن.
ندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة.
في منزل العائلة بمنطقة المطمر، تستمر مراسم العزاء.
وجوه حزينة، أصوات خافتة، وذكريات تروى بصوت يغلبه البكاء أحيانًا. نتذكر قول الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
هذه الآيات تمنحنا بعض السلوى، وتذكرنا بأن الصبر والاحتساب هما سبيل المؤمن عند المصائب.
نسأل الله العظيم، بكل أسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يغفر لفقيدنا ويرحمه، وأن يوسع مدخله، وينقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
نسأله أن يجعل قبره نوراً وضياءً، وأن يلهمنا جميعاً الصبر والسلوان على هذا الفقد الجلل.
لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.
نسأل الله أن يربط على قلوبنا، وأن يجمعنا بفقيدنا في جنات النعيم.