إذا كنا كمسلمين خاصة بالكثير العطف حين يفقد أحدنا نظر عينيٌه ويتحول لكفيف بصر .. فكيف حين أيّ منّا بصيرته وتدبّره في التفكر والتصرّف ..؟

لاشك أنه بقدر مايمكن اعتبار الفاقد لبصره قد تعّرض لمحنة قاسية فأنه يمكن إعتبار الفاقد لبصيرته العقلية والقلبية والأدبية يعاني من محنة أشد وذلك من حيث أن فقد البصر يمثل بلاءً أو إختباراً سماويّاً في الغالب ، أما فقد البصيرة بمعني سوء التفكيروالتدبّرفأمره مرفوض شرعاً .. ولعله لذلك فأن قوله تعالي في سورة الحج ( فإنها لتعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور ) .

لقد أردنا بتلكم المقدمة أن نتحول خلالها كنقطة إنطلاق لمعايشة حالة صحابيّ كبير إتلاه ربّه بفقده لبصره ثم أكرمه في مقابل ذلك ببصيرة عقلية وقلبية وأخلاقية عظيمة فعاش طيلة حياته في حبّ الله وحبّ رسوله.

إنّ ذلكم الصحابي الجليل الذي نعنيه هو عبدالله بن أمّمكتومم رضيِ الله عنه الذي أنزل الله سبحانه في شأنه سورة عبس بقوله تعالي ( عبس وتوليّ أنْ جاءهُ الأعمي وما يُديرك لعلهُ يزكيّ أوْ يذكرّ فتنفعه الذكرى أمّامن إستغني فأنت له تُصدّيوما عليك ألاّ يزكيّ وأمّا من جآءك يسعي وهُو يخشي فأنت عُنه تلهّى كلاّ إِنهّا تذكره كلاّ إنهّا تذكره فمن شاء ذكرهُ ) ويتضح من ذلك أنّ الحق تبارك وتعالي قد عاتب نبيّه صلي الله عليه وسلم والذى كان مشغولاً بدرجة كبيرة بالحديث مع بعض أو أحد وجهاء وأعيان قريش .. وذلك من حيث ضرورة إعطاء فرصة أكثر لسؤال أو إستفسار إن أمّ مكتوم.. ويُروى هنا أن كلّا من الترمذي والحاكم قد أخرج عن السيدة عائشة قولها : أنزل – أي سبحانه وتعالي – ( عبس وتولي ) في إبن أمّ مكتوم – الذى – أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فجعل يثول : يارسول الله أرشدني وعند رسول الله صلي الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يعرضُ عنه ويُقبلُ على الأخر فيقول له : أترى بما أقول باتا ؟

فيقول : لا ، فنزلت ( عبس وتولي أن جاءه الأعمي ) وقد سارع النبيّ صلي الله عليه وسلم إثر نزول تلكم السورة العظيمة للإتصال بأبن أمّ مكتوم وتحدّث معه فيما جاء من أجله وأكرمه ، بل أنه قد ذهب لأكثر من ذلك بأن استخلفه على إدارة المدينة في أول غزوة عند خروجه منها .. ويروى من ناحية أخرى أن صحابيّناعبدالله بن أمّ مكتوم قد ناشد ربه عفوه ككفيف بصر وذلك فيما نزل من قوله تعالى فى سورة النساء

( لايستوي القاعدُون من المُؤمنين )

فدعاء أبن أمّ مكتوم عندئذ إلي ربه بقوله : يارب لقد إبتليتْني في ذا أصنع ؟ فأستجاب ربّه لدعائه وأنزل قوله وتعالى : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَر..).

وبرغم أن عبدالله أبن أمّ مكتوم لم يكن بقادر من الناحية العملية على المشاركة في أية موقعة جهاديّة وذلك

بسبب فقده لبصره .. إلاّ أن حبّه لنصة دينه قد دفع به لمناشدة بعض الصحابة المجاهدين لإتاحة فرصة جهادية روحية قلبية .. وقد كان ذلك سبباً في مشاركته في معركة القادسية من خلال حمله لراية إسلاميّة ودرع وقاية خاص به..

هكذا عاش عبدالله بن أمّ مكتوم حافظاً للقرآن الكريم إماماً للمصلين في أحيان كثيرة إضافة لادائه الأذان بالتناوب مع بلال .. ويجدر التذكير هنا بأن أمّ مكتوم قد إستشار النبي صلي الله عليه وسلم امكانية قيامه بأداء صلاته في بيته باعتبار فقد لبصره غير أن النبي قد أشار إليه بضرورة الاستمرار في أدائها في المسجد طالما يسمع لندائها فيه .. كما يجذر التذكير أيضاً بقوله تعالى في حديث قدسى ( إذا ما أخذت كرية عبدى – أى بعده – لم أجدْ له بها جزاءً إِلاّ الجنّة ) ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *